وَعَلَيْهِ فَالْمَعْنَى: فَكُلُوا إِنْ شِئْتُمْ وَلَا تُحَرِّمُوا الْأَكْلَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ كَمَا يَفْعَلُهُ الْمُشْرِكُونَ، وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ: إِنَّ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ الْأَكْلِ غَرِيبٌ، وَعَزَا لِلْأَكْثَرِينَ أَنَّ الْأَمْرَ لِلِاسْتِحْبَابِ قَالَ: وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: فَكُلُوا مِنْهَا: أَمَرٌ مَعْنَاهُ: النَّدْبُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ، أَنْ يَأْكُلَ مِنْ هَدْيِهِ وَأُضْحِيَّتِهِ، وَأَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْأَكْثَرِ مَعَ تَجْوِيزِهِمُ الصَّدَقَةَ بِالْكُلِّ، وَأَكْلَ الْكُلِّ وَشَذَّتْ طَائِفَةٌ، فَأَوْجَبَتِ الْأَكْلَ وَالْإِطْعَامَ بِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَكَلُّوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا»، قَالَ الْكِيَا فِي قَوْلُهُ تَعَالَى: يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ جَمِيعِهِ، وَلَا التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِهِ.
ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَجِبُ فِي الْوَقْتِ، الَّذِي يَتَعَيَّنُ فِيهِ نَحْرُهُ، وَهُوَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَدَاوُدُ، وَقَالَ عَطَاءٌ: لَا يَجِبُ حَتَّى يَقِفَ بِعَرَفَاتٍ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُحْرِمَ الْمُتَمَتِّعَ إِذَا أَحَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ، يُسْتَحَبُّ لَهُ أَلَّا يُحْرِمَ بِالْحَجِّ، إِلَّا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي فَعَلَهُ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِأَمْرِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَمَحَلُّ هَذَا إِنْ كَانَ وَاجِدًا هَدْيَ التَّمَتُّعِ، فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْهُ وَيُرِيدُ أَنْ يَصُومَ، اسْتُحِبَّ لَهُ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ؛ لِيَصُومَ الْأَيَّامَ الثَّلَاثَةَ فِي إِحْرَامِ الْحَجِّ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَقْوَالَ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ آخِرَهَا يَوْمُ عَرَفَةَ، وَقَوْلَ مَنْ كَرِهَ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ وَاسْتَحَبَّ انْتِهَاءَهَا قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ.