.
كما ينبغي لمن في الجنائز طول السكوت والتزام الصمت، ويكره رفع الصوت بما فيه إخلال بآداب الجنائز والخروج عن هدي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة من بعده رضوان الله عليهم أجمعين؛ فعَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ: "كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَكْرَهُونَ رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ ثَلَاثٍ: عِنْدَ الْقِتَالِ، وَفِي الْجَنَائِزِ، وَفِي الذِّكْرِ" أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى".
رواه أحمد, والترمذي وحسنه.
وعنه: يقوم عند صدر الرجل، جزم به الخرقي، وصاحب "التلخيص"، و"المحرر"، و"الوجيز"، وقدمه في "الفروع".
يستحب أن يقف الإمام في الصلاة على الميت إذا كان رجلاً، الموت هو الحقيقة الوحيدة على وجه الارض، كل شيئ فاني ال وجه الله تعالى، لكل شيئ عمر محدد علم عند الله منذ الازل.
.
ومن فِعلُ النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يُؤْتَى بالرَّجُلِ المُتَوَفَّى عليه الدَّيْنُ، فَيَسْأَلُ: هلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ فَضْلًا؟ فإنْ حُدِّثَ أنَّه تَرَكَ وفَاءً صَلَّى، وإلَّا قالَ لِلْمُسْلِمِينَ: صَلُّوا علَى صَاحِبِكُمْ ، كما نُقل الإجماع على أنّ صلاةِ الجنازة من فُروض الكِفاية.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فسؤالك غير واضح, وإن كنت تعني بجهة اليسار يسار الإمام بحيث يوضع رأس الميت إلى جهة يسار الإمام ورجلا الميت إلى يمين الإمام، فهذه الصفة مخالفة للصفة المشروعة, والمشروع عند الصلاة على الميت أن توضع الجنازة في قبلة الإمام ورأسها يمين الإمام ورجلاها يسار الإمام، ولم تأت الشريعة بحالة توضع فيها الجنازة بصفة معكوسة لما ذكرنا, وأما موقف الإمام من الجنازة وهل يقف عند رأسها أو وسطها؟ فقد قال ابن قدامة في المغني: وَالْإِمَامُ يَقُومُ عِنْدَ صَدْرِ الرَّجُلِ وَوَسَطِ الْمَرْأَةِ, لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ حِذَاءَ وَسَطِ الْمَرْأَةِ، وَعِنْدَ صَدْرِ الرَّجُلِ أَوْ عِنْدَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِنْ وَقَفَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْقِفِ خَالَفَ سُنَّةَ الْمَوْقِفِ، وَأَجْزَأَهُ، وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، إلَّا أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِهِ قَالَ: يَقُومُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ صَلَّى عَلَى رَجُلٍ، فَقَامَ عِنْدَ رَأْسِهِ، ثُمَّ صَلَّى عَلَى امْرَأَةٍ فَقَامَ حِيَالَ وَسَطِ السَّرِيرِ، فَقَالَ لَهُ الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى الْجِنَازَةِ مَقَامَكَ مِنْهَا، وَمِنْ الرَّجُلِ مَقَامَكَ مِنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ: احْفَظُوا ـ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَقُومُ عِنْدَ صَدْرِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ، فَإِذَا وَقَفَ عِنْدَ صَدْرِ الرَّجُلِ فَكَذَا الْمَرْأَةُ، وَقَالَ مَالِكٌ: يَقِفُ مِنْ الرَّجُلِ عِنْدَ وَسَطِهِ لِأَنَّهُ يُرْوَى مِثْلُ هَذَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَيَقِفُ مِنْ الْمَرْأَةِ عِنْدَ مَنْكِبَيْهَا، لِأَنَّ الْوُقُوفَ عِنْدَ أَعَالِيهَا أَمْثَلُ وَأَسْلَمُ، وَلَنَا، مَا رَوَى سَمُرَةُ، قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا فَقَامَ وَسَطَهَا ـ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَحَدِيثُ أَنَسٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَالْمَرْأَةُ تُخَالِفُ الرَّجُلَ فِي الْمَوْقِفِ، فَجَازَ أَنْ تُخَالِفَهُ هَاهُنَا، وَلِأَنَّ قِيَامَهُ عِنْدَ وَسَطِ الْمَرْأَةِ أَسْتَرُ لَهَا مِنْ النَّاسِ فَكَانَ أَوْلَى، فَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: يَقِفُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ فَغَيْرُ مُخَالِفٍ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ بِالْوُقُوفِ عِنْدَ الصَّدْرِ، لِأَنَّهُمَا مُتَقَارِبَانِ، فَالْوَاقِفُ عِنْدَ أَحَدِهِمَا وَاقِفٌ عِنْدَ الْآخَرِ.